فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}.
المعنى واذكر لهم يا محمد على جهة إعلامهم بغير كتبهم ليحققوا نبوتك وينتظم في ذلك نعم الله عليهم وتلقيهم تلك النعم بالكفر وقلة الطاعة والإنابة. وقرأ ابن محيصن «يا قومُ» بالرفع وكذلك حيث وقع من القرآن. وروي ذلك عن ابن كثير. و{نعمة الله} هنا اسم الجنس، ثم عدد عيون تلك النعم، والأنبياء الذين جعل فيهم أمرهم مشهور من لدن إسرائيل إلى زمان عسى عليه السلام والأنبياء حاطة ومنقذون من النار وشرف في الدنيا والآخرة. وقوله: {وجعلكم ملوكًا} يحتمل معاني أحدها أن يعدد عليهم ملك من ملك من بني إسرائيل لأن الملوك شرف في الدنيا وحاطة من نوائبها، والمعنى الآخر: أن يريد استنفذكم من القبط الذين كانوا يستخدمونكم فصرتم أحرارًا تملكون ولا تملكون، فهم ملوك بهذا الوجه وبنحو هذا فسر السدي وغيره. وقال قتادة إنما قال: {وجعلكم ملوكًا} لأنا كنا نتحدث أنهم أول من خدمة أحد من بني آدم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لأن القبط كانوا يستخدمون بني إسرائيل. وظاهر أمر بني آدم أي بعضهم كان يسخر بعضًا مذ تناسلوا وكثروا، وإنما تختلفت الأمم في معنى التملك فقط، وقال عبد الله ابن عمرو بن العاص والحسن بن أبي الحسن وجماعة من أهل العلم من كان له مسكن وأمرأة وخادم فهو ملك، وقيل من له مسكن لا يدخل عليه فيه إلا بإذن فهو ملك، وقوله تعالى: {وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} قال فيه أبو مالك وسعيد بن جبير: الخطاب هو من موسى عليه السلام لقومه، ثم اختلف المفسرون ماذا الذي أوتوا ولم يؤت أحد مثله؟ فقال مجاهد، المن والسلوى والحجر والغمام، وقال غيره: كثرة الأنبياء.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا في كثرة الأنبياء فالعالمون على العموم والإطلاق، وعلى القول بأن الموتى هو آيات موسى فالعالمون مقيدون بالزمان الذي كانوا فيه، لأن أمة محمد قد أوتيت من آيات محمد عليه السلام أكثر من ذلك، قد ظلل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغمامة قبل مبعثه، وكلمته الحجارة والبهائم، وأقبلت إليه الشجرة وحن الجذع، ونبع الماء من بين أصابعه وشبع كثير من الناس من قليل الطعام ببركته، وانشق له القمر، وعاد العود سيفًا، ورجع الحجر المعترض في الخندق رملًا مهيلًا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا المقالة من موسى توطئة لنفوسهم حتى يتعزز ويأخذ الأمر بدخول أرض الجبارين بقوة، وتنفذ في ذلك نفوذ من أعزه الله ورفع شأنه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ}.
تبيين من الله تعالى أن أسلافهم تمرّدوا على موسى وعصَوه؛ فكذلك هؤلاء على محمد عليه السَّلام، وهو تسلية له؛ أي يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم، واذكروا قصة موسى.
ورُوي عن عبد الله بن كَثير أنه قرأ {يَاقَوْمُ اذكروا} بضم الميم، وكذلك ما أشبهه؛ وتقديره يا أيها القوم.
{إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ} لم ينصرف؛ لأنه فيه ألف التأنيث.
{وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا} أي تملكون أمركم لا يغلبكم عليه غالب بعد أن كنتم مملوكين لفرعون مقهورين، فأنقذكم منه بالغرق، فهم ملوك بهذا الوجه، وبنحوه فسر السّديّ والحسن وغيرهما.
قال السُّدّيّ: ملك كل واحد منهم نفسه وأهله وماله.
وقال قَتَادة: إنما قال: {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا} لأنا كنا نتحدّث أنهم أوّل من خُدِم من بني آدم.
قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن القبط قد كانوا يستخدمون بني إسرائيل، وظاهر أمر بني آدم أن بعضهم كان يُسخّر بعضًا مذ تناسلوا وكثروا، وإنما اختلفت الأُمم في معنى التمليك فقط.
وقيل: جعلكم ذوي منازل لا يُدخل عليكم إلاَّ بإذن؛ رُوي معناه عن جماعة من أهل العلم.
قال ابن عباس: إنّ الرجل إذا لم يدخل أحد بيته إلاَّ بإذنه فهو ملِك.
وعن الحسن أيضًا وزيد بن أسلم أن من كانت له دار وزوجة وخادم فهو ملِك؛ وهو قول عبد الله بن عمرو كما في صحيح مسلم عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِيّ قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال نعم.
قال: ألك منزل تسكنه؟ قال: نعم.
قال: فأنت من الأغنياء.
قال: فإنّ لي خادمًا.
قال: فأنت من الملوك.
قال ابن العربي: وفائدة هذا أن الرجل إذا وجبت عليه كفّارة ومَلَك دارًا وخادمًا باعهما في الكفّارة ولم يجز له الصيام، لأنه قادر على الرقبة والملوك لا يكفرون بالصيام، ولا يوصفون بالعجز عن الإعتاق.
وقال ابن عباس ومجاهد: جعلهم ملوكًا بالمَنّ والسَّلوى والحَجَر والغَمَام، أي هم مخدومون كالملوك.
وعن ابن عباس أيضًا يعني الخادم والمنزل؛ وقاله مجاهد وعِكرمة والحكم بن عُيَيْنة، وزادوا الزوجة؛ وكذا قال زيد بن أسلم إلاَّ أنه قال فيما يعلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من كان له بيت أو قال منزل يأوي إليه وزوجة وخادم يخدمه فهو ملِك»؛ ذكره النحاس.
ويُقال: من استغنى عن غيره فهو ملِك؛ وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمنًا في سِربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافِيرها».
قوله تعالى: {وَآتَاكُمْ} أي أعطاكم {مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن العالمين}.
والخطاب من موسى لقومه في قول جمهور المفسرين؛ وهو وجه الكلام.
مجاهد: والمراد بالإيتاء المنّ والسَّلْوى والحَجَر والغمام.
وقيل: كثرة الأنبياء فيهم، والآيات التي جاءتهم.
وقيل: قلوبًا سليمة من الغِلّ والغِشّ.
وقيل: إحلال الغنائم والانتفاع بها.
قلت: وهذا القول مردود؛ فإن الغنائم لم تحِل لأحد إلاَّ لهذه الأُمة على ما ثبت في الصحيح؛ وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وهذه المقالة من موسى توطئة لنفوسهم حتى تُعَزَّز وتأخذ الأمر بدخول أرض الجبارين بقوة، وتنفُذ في ذلك نفوذ من أعزه الله ورفع من شأنه.
ومعنى {مِّن العالمين} أي عالَمي زمانكم؛ عن الحسن.
وقال ابن جُبير وأبو مالك: الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهذا عدول عن ظاهر الكلام بما لا يحسن مثله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى بين تمرّد أسلاف اليهود على موسى، وعصيانهم إياهم، مع تذكيره إياهم نعم الله وتعداده لما هو العظيم منها، وأن هؤلاء الذين هم بحضرة الرسول هم جارون معكم مجرى أسلافهم مع موسى.
ونعمة الله يراد بها الجنس، والمعنى: واذكر لهم يا محمد على جهة إعلامهم بغيب كتبهم ليتحققوا نبوّتك.
وينتظم في ذلك ذكر نعم الله عليهم، وتلقيهم تلك النعم بالكفر وقلة الطاعة.
وعدّد عليهم من نعمه ثلاثًا: الأولى: جعل أنبياء فيهم وذلك أعظم الشرف، إذ هم الوسائط بين الله وبين خلقه، والمبلغون عن الله شرائعه.
قيل: لم يبعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء.
وقال ابن السائب ومقاتل: الأنبياء هنا هم السبعون الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وكانوا من خيار قومه.
وقيل: هم الذين أرسلوا من بعد في بني إسرائيل كموسى ذكره الماوردي وغيره، وعلى هذا القول يكون جعل لا يراد بها حقيقة الماضي بالفعل، إذ بعضهم كان قد ظهر عند خطاب موسى إياهم، وبعضهم لم يخلق بل أخبر أنه سيكون فيهم.
الثانية: جعلهم ملوكًا ظاهره الامتنان عليهم بأن جعلهم ملوكًا إذ جعل منهم ملوكًا، إذ الملك شرف في الدنيا واستيلاء، فذكرهم بأن منهم قادة الآخرة وقادة الدنيا.
وقال السدي وغيره: وجعلكم أحرارًا تملكون ولا تملكون، إذ كنتم خدمًا للقبط فأنقذكم منهم، فسمي استنقاذكم ملكًا.
وقال قوم: جعلهم ملوكًا بإنزال المن والسلوى عليهم وتفجير الحجر لهم، وكون ثيابهم لا تبلى ولا تنسخ وتطول كلما طالوا، فهم ملوك لرفع هذه الكلف عنهم.
وقال قتادة: ملوكًا لأنهم أول من اتخذ الخدام واقتنوا الأرقاء.
وقال ابن عطية وقتادة: وإنما قال وجعلكم ملوكًا، لأنا كنا نتحدث أن أول من خدمه آخر من بني آدم.
قال ابن عطية: وهذا ضعيف، لأن القبط كانوا يستخدمون بني إسرائيل.
وظاهر أمر بني آدم أن بعضهم يسخر بعضًا مدة تناسلوا وكثروا انتهى.
وهذه الأقوال الثلاثة عامة في جميع بني إسرائيل، وهو ظاهر قوله: وجعلكم ملوكًا.
وقال عبد الله بن عمر، والحسن، ومجاهد، وجماعة: من كان له مسكن وامرأة وخادم فهو ملك.
وقيل: من له مسكن ولا يدخل عليه فيه إلا بإذن فهو ملك.
وقيل: من له زوجة وخادم، وروي هذا عن ابن عباس.
وقال عكرمة: من ملك عندهم خادمًا وبيتًا دعي عندهم ملكًا.
وقيل: من له منزل واسع فيه ماء جار.
وقيل: من له مال لا يحتاج فيه إلى تكلف الأعمال وتحمل المشاق.
وقيل: ملوك لقناعتهم، وهو ملك خفي.
ولهذا جاء في الحديث: «القناعة كنز لا ينفد».
وقيل: لأنهم ملكوا أنفسهم وذادوها عن الكفر ومتابعة فرعون.
وقيل: ملكوا شهوات أنفسهم ذكر هذه الأقوال الثلاثة التبريزي في تفسيره.